فصل: تفسير الآيات (81- 82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}.
أي أنه ليس لبشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يأمر الناس باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا. إن من اختصه الله بعلم وكتاب ونبوة لا يمكن أن يقول: اعبدوني، أو اعبدوا الملائكة، أو اعبدوا الأنبياء.
لماذا؟ ويجيب الحق سبحانه: {أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}.
وقوله الحق: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} تدل على أن واقعة القضية وما معها كانت مع مسلمين كأنهم عندما جاءوا وأرادوا أن يعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نحن نريد أن نعطيك وضعا في التعظيم أكثر من أي كائن ونريد أن نسجد لك. فَوَضَّح النبي صلى الله عليه وسلم لهم: أنَّ السجود لا يكون إلا لله.
إذن فالذين تكلموا مسلمون، وكانوا يقصدون بذلك تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أن رسول الله وافقهم لكان معنى ذلك أنه يخرجهم عن الإسلام، ولا يتصور أن يصدر هذا عن سيدنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أو عن غيره من الأنبياء عليهم السلام.
والحق سبحانه يقول: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ الله الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ الله وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}.
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أوَ ذاك تريد منا يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله...! أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره. ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني. فأنزل الله في ذلك من قولهما {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب} إلى قوله: {بعد إذ أنتم مسلمون}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم بتحريفهم كتاب الله عن موضعه. فقال الله: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله} ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رجلًا قال: يا رسول الله نسلِّم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لا، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله، فانه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله». فأنزل الله: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب} إلى قوله: {بعد إذ أنتم مسلمون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {ربانيين} قال: فقهاء معلمين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {ربانيين} قال: حلماء علماء حكماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن طريق الضحاك عن ابن عباس {ربانيين} قال: علماء فقهاء.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {ربانيين} قال: حكماء فقهاء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود {ربانيين} قال: حكماء علماء.
وأخرج ابي جرير عن مجاهد قال: {الربانيون} الفقهاء العلماء. وهم فوق الأحبار.
وأخرج عن سعيد بن جبير {ربانيين} قال: حكماء أتقياء.
وأخرج ابن جرير عن ابي زيد قال الربانيون الذين يربون الناس ولاة هذا الأمر. يلونهم، وقرأ {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} [المائدة: 63] قال: {الربانيون} الولاة {والأحبار} العلماء.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب} قال: حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيهًا.
وأخرج ابن المنذر عن ابق عباس أنه كان يقرأ {بما كنتم تعلمون}.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {بما كنتم تعلمون} مثقلة برفع التاء وكسر اللام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، أنه قرأ {بما كنتم تعلمون الكتاب} خفيفة بيصب التاء قال ابن عيينة: ما علموه حتى علموه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بكر قال: كان عاصم يقرؤها {بما كنتم تعلمون الكتاب} مثقلة برفع التاء وكسر اللام. قال: القرآن {وبما كنتم تدرسون} قال: الفقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لا يعذر أحد حر، ولا عبد، ولا رجل، ولا امرأة؛ لا يتعلم من القرآن جهده ما بلغ منه فإن الله يقول: {كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} يقول: كونوا فقهاء، كونوا علماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله: {وبما كنتم تدرسون} قال: مذاكرة الفقه، كانوا يتذاكرون الفقه كما نتذاكره نحن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج {ولا يأمركم أن تتخذوا} قال: ولا يأمركم النبي. اهـ.

.تفسير الآيات (81- 82):

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما بين سبحانه وتعالى فيما مضى أن التولي عن الرسل كفر، وذكر كثيرًا من الرسل فخص في ذكرهم وعمم، ذكر قانونًا كليًا لمعرفة الرسول عنه سبحانه وتعالى والتمييز بينه وبين الكاذب فقال عاطفًا على {إذ أنتم مسلمون} {وإذ أخذ الله} أي الذي له الكمال كله {ميثاق النبيين} أي كافة، والمعنى: ما كان له أن يقول ذلك بعد الإنعام عليكم بالإسلام والإنعام عليه بأخذ الميثاق على الناس- الأنبياء وغيرهم- بأن يؤمنوا به إذا آتاهم، فيكون بذلك الفعل مكفرًا لغيره وكافرًا بنعمة ربه، وهذا معنى قوله: {لما} أي فقال لهم الله: لما {آتيتكم} وقراءة نافع: آتيناكم، أوفق لسياق الجلالة- قاله الجعبري {من كتاب وحكمة} أي أمرتكم بها بشرع من الشرائع، فأمرتم بذلك من أرسلتم إليه {ثم جاءكم رسول} أي من عندي، ثم وصفه بما يعلم أنه من عنده فقال: {مصدق لما معكم} أي من ذلك الكتاب والحكمة {لتؤمنن به} أي أنتم وأممكم {ولتنصرنه} أي على من يخالفه، فكأنه قيل: إن هذا الميثاق عظيم، فقيل: إنّ، زاد في تأكيده اهتمامًا به فقال: {قال ءأقررتم} أي يا معشر النبيين {وأخذتم على ذلكم} أي العهد المعظم بالإشارة بأداة البعد وميم الجمع {إصري} أي عهدي، سمي بذلك لما فيه من الثقل، فإنه يشد في نفسه بالتوثيق والتوثق، ويشتد بعد كونه على النفوس لما لها من النزوع إلى الإطلاق عن عهد التقيد بنوع من القيود، فكأنه قيل: ما قالوا؟ فقيل: {قالوا أقررنا} أي بذلك، فقيل: ما قال؟ فقيل {قال فاشهدوا} أي يا أنبياء! بعضكم على بعض، أو يا ملائكة! عليهم {وأنا معكم من الشاهدين فمن} أي فتسبب عنه أنه من {تولى} أي منكم أو من أممكم الذي بلغهم ذلك عن نصرة نبي موصوف بما ذكر.
ولما كان المستحق لغاية الذم إنما هو من اتصل توليه بالموت لم يقرن الظرف بجار فقال: {بعد ذلك} أي الميثاق البعيد الرتبة بما فيه من الوثاقة {فأولئك} أي البعداء من خصال الخير {هم الفاسقون} أي المختصون بالخروج العظيم عن دائرة الحق. اهـ.

.اللغة:

{ميثاق} الميثاق: العهد المؤكد بيمين ونحوه وقد تقدم.
{إصري} عهدي واصله في اللغة الثقل قال الزمخشري: وسمي اصرا لانه مما يؤصر أي يشد ويعقد.
{الفاسقون} الخارجون عن طاعة الله.
{طوعا} انقيادا عن رغبة.
{كرها} اجبارا وهو كاره.
{الأسباط} جمع سبط وهو ابن الابن والمراد به هنا قبائل بني إسرائيل من اولاد يعقوب.
{ينظرون} يمهلون يقال: انظره يعني امهله والنظرة الامهال.
{الخاسرون} الخسران: انتقاص رأس المال يقال: خسر فلان أي أضاع من رأس ماله.
{الضالون} التائهون في مهامه الكفر. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{لما} بكسر اللام حمزة الخزا. الباقون بفتحها.
{آتيناكم} على صيغة جمع المتكلم: أبو جعفر ونافع. الباقون {آتيتكم} على الوحدة {يبغون} بياء الغيبة و{ترجعون} بتاء الخطاب مبنيًا للمفعول: أبو عمرو غير عباس. وقرأ عباس وسهل وحفص بالياء التحتانية فيهما وقرأ يعقوب {يبغون} بالياء التحتانية {يرجعون} بالتحتانية مبنيًا للفاعل. الباقون بتاء الخطاب فيهما {ملء} بالهمزة {الأرض} بغير الهمز.
روى النجاري عن ورش وروى الأصفهاني عنه بغير همز فيهما. الباقون بالهمز فيهما.

.الوقوف:

{ولتنصرنه} ط {إصري} ط {أقررنا} ط {الشاهدين} o {الفاسقون} o {يرجعون} o {من ربهم} ص {منهم} ج {مسلمون} o {منه} ج لعطف المختلفتين {الخاسرين} o {البينات} ط {الظالمين} o {اجمعين} o {فيها} ج (لا) {ينظرون} o (لا) للاستثناء {رحيم} o {توبتهم} ج {الضالون} o {افتدى به} ط {ناصرين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن المقصود من هذه الآيات تعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب مما يدل على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم قطعًا لعذرهم وإظهارًا لعنادهم ومن جملتها ما ذكره الله تعالى في هذه الآية وهو أنه تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، وأخبر أنهم قبلوا ذلك وحكم تعالى بأن من رجع عن ذلك كان من الفاسقين، فهذا هو المقصود من الآية فحصل الكلام أنه تعالى أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقًا لما معهم إلا أن هذه المقدمة الواحدة لا تكفي في إثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يضم إليها مقدمة أخرى، وهي أن محمدًا رسول الله جاء مصدقًا لما معهم، وعند هذا لقائل أن يقول: هذا إثبات للشيء بنفسه، لأنه إثبات لكونه رسولًا بكونه رسولًا.
والجواب: أن المراد من كونه رسولًا ظهور المعجز عليه، وحينئذ يسقط هذا السؤال والله أعلم. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
أما قوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله} فقال ابن جرير الطبري: معناه واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ الله ميثاق النبيّين، وقال الزجاج: واذكر يا محمد في القرآن إذ أخذ الله ميثاق النبيّين.
أما قوله: {ميثاق النبيين} فاعلم أن المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول، فيحتمل أن يكون الميثاق مأخوذًا منهم، ويحتمل أن يكون مأخوذًا لهم من غيرهم، فلهذا السبب اختلفوا في تفسير هذه الآية على هذين الوجهين.
أما الاحتمال الأول: وهو أنه تعالى أخذ الميثاق منهم في أن يصدق بعضهم بعضًا، وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاوس رحمهم الله، وقيل: إن الميثاق هذا مختص بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو مروي عن علي وابن عباس وقتادة والسدي رضوان الله عليهم، واحتج أصحاب هذا القول على صحته من وجوه:
الأول: أن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} يشعر بأن آخذ الميثاق هو الله تعالى، والمأخوذ منهم هم النبيون، فليس في الآية ذكر الأمة، فلم يحسن صرف الميثاق إلى الأمة، ويمكن أن يجاب عنه من وجوه:
الأول: أن على الوجوه الذي قلتم يكون الميثاق مضافًا إلى الموثق عليه، وعلى الوجه الذي قلنا يكون إضافته إليهم إضافة الفعل إلى الفاعل، وهو الموثق له، ولا شك أن إضافة الفعل إلى الفاعل أقوى من إضافته إلى المفعول، فإن لم يكن فلا أقل من المساواة، وهو كما يقال ميثاق الله وعهده، فيكون التقدير: وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الله للأنبياء على أممهم.
الثاني: أن يراد ميثاق أولاد النبيّين، وهو بنو إسرائيل على حذف المضاف وهو كما يقال: فعل بكر بن وائل كذا، وفعل معد بن عدنان كذا، والمراد أولادهم وقومهم، فكذا هاهنا.
الثالث: أن يكون المراد من لفظ {النبيين} أهل الكتاب وأطلق هذا اللفظ عليهم تهكمًا بهم على زعمهم لأنهم كانوا يقولون نحن أولى بالنبوّة من محمد عليه الصلاة والسلام لأنا أهل الكتاب ومنا كان النبيون.
الرابع: أنه كثيرًا ورد في القرآن لفظ النبي والمراد منه أمته قال تعالى: {يا أيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء} [الطلاق: 1].
الحجة الثانية: لأصحاب هذا القول: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية أما والله لو كان موسى بن عمران حيًا لما وسعه إلا اتباعي».